عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

وقطفت الثمر أقطفه قطفا ، وقطفت الدابّة تقطف قطفا فهي قطوف : إذا كانت بطيئة ، قال الشاعر : [من الطويل]

ولا عيب فيها غير أنّ قطوفها

سريع وألا شيء منهنّ أكمل

وذلك على سبيل الاستعارة تشبيها بقاطف شيء كما يوصف بالقبض والفيض (١). وأقطف الكرم : دنا قطافه. والقطافة : ما تساقط وذلك نحو النّفاثة والنّخالة. وفي الحديث : «جاعل فرس لأبي طلحة يقطف» (٢) قيل : معناه يقارب الخطو في سرعة. ودابّة قطوف : بيّنة القطاف.

ق ط م ر :

قوله تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(٣) قيل : هو لفافة النّواة ؛ يضرب بها مثلا في القلّة ، وفي النواة أربعة أشياء يضرب بها المثل في القلّة قد ذكرتها في قوله تعالى : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٤). وقيل : القطمير الأثر في ظهر النّواة ، والأول أشهر.

ق ط ن :

قوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ)(٥) قيل : هو كلّ شجر لا ينبت على ساق بل ينبسط وينفرش على / وجه الأرض كالقثاء والقرع والحنظل ، ووزنه تفعيل من قطن بالمكان إذا لازمه ، ومنه قواطن مكة (٦) ، وأنشد (٧) : [من الرجز]

__________________

(١) وفي المفردات (٤٠٨) : بالنّقض.

(٢) النهاية : ٤ / ٨٤ ، وفيه «أنه ركب على فرس لأبي طلحة يقطف».

(٣) ١٣ / فاطر : ٣٥.

(٤) ٧٧ / النساء : ٤.

(٥) ١٤٦ / الصافات : ٢٧.

(٦) قواطن مكة وقطينها وقطّانها : مجاوروها. وهنا يريد حمام مكة.

(٧) من رجز للعجاج (الديوان : ١ / ٤٥٣) :

وربّ هذا البلد المحرّم

٣٨١

قواطنا مكة من ورق الحمي

يريد : من قذف الحمام فحذف بعض الأحرف. ومنه قيل للحبوب التي تدّخر كالعدس والحمّص قطانيّ واحدها قطنية (١).

وقطن يقطن قطونا. وقال سلمان رضي الله عنه : «كنت قطن النار» (٢). ويروى بكسر العين بمعنى صار بها ، وبفتحها على أنه جمع قاطن ، نحو : حارس وحرس ، وخادم وخدم.

والقطن معروف من ذلك. «ولّما حملت به أمّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : ما وجدته في قطن ولا ثنّة» (٣). القطن : أسفل الظهر والثّنّة أسفل البطن. وفي الصحاح : القطن ما بين الوركين ، وليس مرادا في الحديث.

فصل القاف والعين

ق ع د :

قوله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ)(٤) جمع قاعد بلا هاء (٥) ، وهي من قعدت عن الزوج أو المحيض ، وإذا قعدت من قيام فقاعدة بالهاء.

ويعبّر بالقعود عن التكاسل ، ومنه قوله تعالى : (اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ)(٦).

__________________

 ـ والقاطنات البيت غير الرّيّم

قواطنا مكة من ورق الحمي

ورواية الديوان والكتاب في ١ / ٥٦ : أو الفا. وعلى الأصل : العمدة والإنصاف والمخصص واللسان والكتاب : ١ / ٨.

(١) القطنية : حكاه ابن قتيبة بالتخفيف وأبو حنيفة بالتشديد (اللسان ـ مادة قطن).

(٢) النهاية : ٤ / ٨٥.

(٣) المصدر السابق ، وفي الأصل : « .. في القطن والثنة».

(٤) ٦٠ / النور : ٢٤.

(٥) أضاف الراغب الهاء لها (المفردات : ٤٠٩).

(٦) ٤٦ / التوبة : ٩.

٣٨٢

قوله : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ)(١) أي مواطن وأماكن جمع مقعد وهو اسم مكان القعود. والقعود يكون مصدرا نحو : قعدت قعودا ، وجمعا ، ومنه : (قِياماً وَقُعُوداً)(٢). كما أنّ قياما يكون مصدرا وجمعا.

والقواعد : أساس البناء ، الواحدة قاعدة. قال الله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ)(٣). قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)(٤) هو بمعنى فاعل نحو شريب وجليس وخليط بمعنى مجالس ومشارب ومخالط. والمراد ملك عن يمينه يكتب له وآخر عن شماله يكتب عليه. وقعيد يكون للواحد وغيره ، فلذلك وحّده. وقولهم : قعدك الله ، وقعيدك الله في القسم ، معناه : أسألك بالله الذي يلزمك حفظك (٥). قال (٦) : [من الطويل]

قعيد كما الله الذي أنتما له

وهما في الأصل مصدران مضافان للفاعل ، وقد حقّقنا الكلام عليهما في غير هذا.

والقعدة : مرّة من القعود ، وبالكسر الهيئة ، منه قوله تعالى : (وَقَعَدُوا)(٧) أي تثبّطوا وتكاسلوا ، ولذلك قال : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٨). ويعبّر عن الترصّد للشيء بالقعود كقوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(٩). وفي الحديث : «نهى أن يقعد على القبر» (١٠) أراد التخلّي والحدث. وقيل : أراد به الإحداد وملازمة القبر ، وقيل :

__________________

(١) ١٢١ / آل عمران : ٣.

(٢) ١٩١ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٣) ٢٦ / النحل : ١٦.

(٤) ١٧ / ق : ٥٠.

(٥) وفي الأصل : حفظه ، والتصويب من المفردات واللسان. وهو بمنزلة : عمرك الله.

(٦) صدر بيت للفرزدق (الديوان : ٨٩٥) ، وعجزه :

ألم تسمعا بالبيضتين المناديا؟

(٧) ١٦٨ / آل عمران : ٣.

(٨) ٩٥ / النساء : ٤.

(٩) ١٦ / الأعراف : ٧.

(١٠) النهاية : ٤ / ٨٦.

٣٨٣

أراد تهويل الأمر لأنّ الجلوس على القبر يدلّ على تهاون بالميت وبالموت ، ويؤيده أنه رأى رجلا متكئا على قبر فقال : «لا تؤذوا صاحب القبر» (١).

والمقعد : رجل كان يعمل بالسهام ويريشها ، قال عاصم بن ثابت الأنصاريّ (٢) : [من الرجز]

أبو سليمان وريش المقعد

وضالة مثل الجحيم الموقد

كان يقول : أنا أبو سليمان ومعي سهام المقعد. والضالة : شجرة السّدر يعمل بها السهام ؛ يطلقونها ويريدون السهام. وشبّهها بالجحيم (٣) لحدّتها ونفوذها.

والمقعد ـ أيضا ـ من أثقلته ديون فأقعدته وعجز عن النهوض لزمانة ونحوها. ومنه قيل للضفدع : مقعد ، والجمع مقعدات. وثدي مقعد ، أي ناتىء تصوّرا بصورة القاعد.

والمقعد (٤) : المتقاعد المتباطىء عن المكارم. ويقال : اقعد ، لمن كان كذلك ، قال الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر : [من البسيط]

دع المكارم لا تقصد (٥) لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ)(٦) نبّه بذلك على الراحة والدّعة فذكر مكان القعود دون سائر الأفعال.

ق ع ر :

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٧) أي مجتثّ ، يعني قلع من قعره أو ذهب

__________________

(١) المصدر السابق ، وفيه : «لا تؤذ ..».

(٢) اللسان ـ مادة قعد. المقعد هنا : فرخ النسر ، وريشه أجود الريش.

(٣) وفي اللسان : شبه السهام بالجمر لتوقدها. وهذا معنى آخر مقبول.

(٤) وفي الأصل : والقعدة ، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٥) والرواية المشهورة : لا ترحل.

(٦) ٥٥ / القمر : ٥٤.

(٧) ٢٠ / القمر : ٥٤.

٣٨٤

في قعر الأرض. وقعر الشيء : نهاية أسفله ، فمعنى «منقعر» ذاهب في قعر الأرض. وفي الحديث : «أنّ رجلا تقعّر من ماله» (١) أي انقلع من أصله ؛ أراد تعالى أنّ هؤلاء قد اجتثّوا كما يجتثّ النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رؤوس ولا أثر.

وقصعة قعيرة : لها قعر. وتقعّر فلان في كلامه : إذا أخرجه من قعر حلقه ، كقولهم : تشدّق ، وهو منهيّ عنه.

فصل القاف والفاء

ق ف ل :

قوله تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٢) هو جمع قفل وهو ما يجعل مانعا من فتح الباب. ثم عبّر به عن كلّ مانع للإنسان عن تعاطي بعض الأفعال ، فيقال : فلان مقفل عن كذا ، ومنه قيل للبخيل : هو مقفل اليدين ، كما يقال : هو مغلولهما. واستعار لمنع وصول الحقّ إلى قلوب الكفرة المخبر عنها بالختم في قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣) لفظ الأقفال كما استعار لها الختم والطّبع. ومن قال : تحقيقه الختم والطبع قال : تحقيقه أقفال خلقها الله تعالى. على أنّ المراد بالقلوب ليست المضغ اللحمية ، إنما المراد العقول ، فيبعد جعل هذه الأشياء حقيقة وقد حقّقنا هذا في غير هذا.

والقفول : الرجوع من السفر ، والقافلة من ذلك ، ولذلك غلّط يعقوب الناس في تسميتهم الركب قافلة مطلقا ، بل لا يقال إلا للركب الراجع من السفر وفاء بالاشتقاق.

والقفيل : اليابس من الشيء إمّا لكون بعضه راجعا إلى بعض في اليبوسة ، وإمّا لكونه كالمقفل لصلابته ، يقال : قفل النّبات ، وقفل الفجل ، وذلك إذا اشتدّ هياجه فيبس وهزل.

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٨٧.

(٢) ٢٤ / محمد : ٤٧.

(٣) ٧ / البقرة : ٢.

٣٨٥

ق ف و :

قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ)(١) أي أتبعناهم ، وأصله من القفا لأنّ المتّبع للشخص غالبا يصير خلفه وتابعا لقفاه ، يقال : قفوته واقتفيته ، وقفّيته أقفوه : إذا تتبّعته وتبعت أثره. فقفّيته مقلوب من قفوته ، وبه سميت القافة لتتبّعها الآثار والأشباه. وعلوم العرب ثلاثة : القيافة والعيافة والسّيافة ؛ فالقيافة : إلحاق الولد بأبيه لشبه يظهر لهم. والعيافة : نوع من الكهانة والتّنجيم. والسّيافة : شمّ التراب (٢) ، وذلك أنّ / الرجل إذا تاه في برّيّة شمّ ترابها فعرف أين هو من الأرض.

وقافية كلّ شيء وقفاه : آخره ، ومنه القافية الشعرية ، واختلفوا ، وهو مبيّن في غير هذا. وتطلق القافية على البيت بل على القصيدة كلّها ، ومنه قول الخنساء (٣) : [من المتقارب]

وقافية مثل حدّ السّنا

ن تبقى ويذهب من قالها

وفي الحديث : «يعقد الشيطان على قافية أحدكم ثلاث عقد» (٤) القافية بمعنى القفا. ومن أسمائه عليه الصلاة والسّلام : المقفيّ ؛ قيل : هو بمعنى العاقب وهو بمعنى الآخر.

والاقتفاء : اتّباع الأقفاء ، كما أنّ الارتداف اتباع الرّدف ، ويكنّى بذلك عن الاعتبار وتتبّع المعايب.

قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).(٥) قيل : لا تتّبع ما ليس لك به علم فتقول فيه بغير علم. وقيل : معناه : لا تحكم بالقيافة والظنّ.

والقفاوة : الطعام الذي يتفقّد به من (يعنى به) (٦) فيتّبع.

__________________

(١) ٤٦ / المائدة : ٥.

(٢) ساف : شمّ. وكان الدليل إذا ضلّ في فلاة أخذ التراب فشمّه فعلم أنه على هدية. ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى سموا البعد مسافة ، ومنها الحرف سوف (اللسان ـ مادة سوف).

(٣) الديوان : ١١٥ ، وفيه : ويهلك من قالها.

(٤) النهاية : ٤ / ٩٤.

(٥) ٣٦ / الإسراء : ١٧.

(٦) بياض ما بين قوسين في ح وس ، والإضافة من د.

٣٨٦

فصل القاف واللام

ق ل ب :

قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ)(١) أي عقل وفهم. وقلب كلّ شيء خالصه ، وأصل القلب من التقلّب ، وعليه قوله : [من الطويل]

وما سمي الإنسان إلا لأنسه

ولا القلب إلا أنّه يتقلّب

وقلب الشيء : تصريفه وصرفه عن وجه ، كقلب الثّوب وقلب الإنسان. قيل : سمي به لكثرة تقلبه ، ويعبّر بالقلب عن المعاني التي تختصّ به من الروح والعلم والشجاعة ؛ فمن الأول قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(٢) ، ومن الثاني قوله تعالى : (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي عقل وفهم ، ومن الثالث (٣) قوله تعالى : (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ)(٤) أي تثبت به شجاعتكم ، وعلى عكسه : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)(٥).

وقوله تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٦) قيل : أراد الروح ، وهو الظاهر ، وقيل : العقل. قال الراغب (٧) : ولا يصحّ عليه ، ثم قال : ومجازه مجاز قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٨) والأنهار لا تجري وإنما يجري الماء الذي فيها.

وتقليب الشيء : تغييره من حال إلى حال. وتقليب الأمور : تدبّرها والنظر في

__________________

(١) ٣٧ / ق : ٥٠.

(٢) ١٠ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) في الأصل : الثاني ، وهو وهم.

(٤) ١٢٦ / آل عمران : ٣.

(٥) ٢٦ / الأحزاب : ٣٣ ، وغيرها.

(٦) ٤٦ / الحج : ٢٢.

(٧) المفردات : ٤١١ ، يعني العقل لا يصح عليه ذلك.

(٨) ٢٣ / الحج : ٢٢ ، وغيرها.

٣٨٧

عواقبها ، ومنه قوله تعالى : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ)(١) أي دبّروها وبيّتوها حتى جاء نصر الله فلم يضرّك ذلك. وتقليب الله القلوب عبارة عن صرفها من رأي إلى آخر ، وكذا تقليبه تعالى البصائر ، وإليه أشار بقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ)(٢) أي نحيّرهم وندعهم في عمى ، عقوبة لهم. لا يسأل عمّا يفعل ولكن نسأله الهداية للدّين القويم.

قوله (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ)(٣) عبارة عن النّدم والتحسّر على ما فات حيث لا ينفع ذلك. وقد كثر هذا الاستعمال فقالوا : فلان يقلّب يديه ويخطّ في الأرض ويعضّ بنانه ، وذلك ذكر لصورة حال النادم ، وهذا أبلغ من قولهم : فأصبح نادما ، وإليه نحا الشاعر حيث قال (٤) : [من الوافر]

كمغبون يعضّ على يديه

تبيّن غبنه عند البياع

والتقلّب : التصرّف في البيع والشراء وإصلاح حال الإنسان ، ومنه قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ)(٥). وقال تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ)(٦) أي في حالة هم أبعد شيء من ظنّهم الهلكة بل أقوياء أصحاء يتبايعون ويتشارون فيأخذهم بغتة. فنسأل الله اليقظة لما بين أيدينا.

والقلّب : الكثير التّقلّب ، كالحوّل لكثير التحوّل.

والقلاب : داء يصيب القلب. وما به قلبة : أي علّة يقلّب لأجلها. والقليب : البئر التي لم تطو. والقلب : المقلوب من الأسورة.

__________________

(١) ٤٨ / التوبة : ٩.

(٢) ١١٠ / الأنعام : ٦.

(٣) ٤٢ / الكهف : ١٨.

(٤) البيت لقيس بن ذريح (الديوان : ١١٨ ، اللسان ـ مادة بيع). وفي الديوان والمفردات : بعد البياع.

(٥) ١٩٦ / آل عمران : ٣.

(٦) ٤٦ / النحل : ١٦.

٣٨٨

قوله : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ)(١) أي نصبوا لك الغوائل. قوله : (يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)(٢) أي ترجف وتخفق بحيث تكاد تطلع إلى الظاهر ، ونحوه : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ).

قوله : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ)(٣) قيل : إنهم لكثرة تقلّبهم يظنّهم الرائي غير نيام ، ويؤيده : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٤) وما أحسن التصريح بقوله : (وَهُمْ رُقُودٌ) بعد الحسبان!

قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ)(٥) أي منصرفكم ومقامكم في الأولى والعقبى. وفي الحديث : «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا وألين أفئد» (٦) قيل : هما سيّان ، وكرّرهما لاختلاف لفظهما كقوله (٧) :

وألفى قولها كذبا ومينا

وهند أتى من دونها النّاي والبعد (٨)

(صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(٩). وقيل : بل القلب أخصّ من الفؤاد. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كان قرشيّا قلبا» (١٠) قيل : بمعنى فطن فهيم ، وقيل : بمعنى خالص. وقلب كلّ شيء خياره وخالصه ، وهو الظاهر لاقترانه بقرشيا أي خالص النسب في

__________________

(١) ٤٨ / التوبة : ٩.

(٢) ٣٧ / النور : ٢٤.

(٣) ١٨ / الكهف : ١٨.

(٤) مطلع الآية السابقة.

(٥) ١٩ / محمد : ٤٧.

(٦) النهاية : ٤ / ٩٦.

(٧) عجز بيت لعدي بن زيد ، وصدره (معاهد التنصيص : ١ / ٣١٠ ، اللسان ـ مادة مين) :

فقدّدت الأديم لراهشيه

ورواية معاني القرآن (١ / ٣٧) : وقدّمت.

(٨) شطر للحطيئة ، مر كاملا (الديوان : ١٤٠).

(٩) ١٥٧ / البقرة : ٢.

(١٠) النهاية : ٤ / ٩٦ ، وفيه الصفة لعلي كرم الله وجهه. والمعنى أنه عربي خالص.

٣٨٩

هذه القبيلة التي هي أشرف العرب. ولما احتضر معاوية قلب على فراشه فقال : «لتقلّبون قلّبا حوّلا» (١) ( ... قد تقدّم تفسيره. وقال عمر رضي الله عنه : «اقلب قلّاب») (٢) ، هذا مثل يقال لمن يتكلم بسقطة فيتداركها بنقلها عن جهتها وصرفها إلى غير معناها. وفي حديث موسى وشعيب عليهما‌السلام : «لك من غنمي ما جاءت به قالب لون» (٣). تفسيره في الحديث : أنها جاءت على غير لون أمهاتها.

ق ل د :

قوله : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ)(٤) ما تقلّد به الهدي فيعرف من غيره فلا يتعرّض له بسوء ، وأصله أنّ الحرميّ كان إذا ساقه قلّد ركابه بلحاء شجر من شجر الحرم فيأمن بذلك. فعبّر بالقلائد والمراد المقلّد بها ، كذا قيل : وأحسن منه أنه إذا نهى عن القلائد أن يتعرض لها ، فالنهي عن مقلّدها بطريق الأولى والاحرى. ونحوه : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ)(٥). لأنّهنّ إذا نهين عن إظهار نفس الزينة فنهيهنّ عن إظهار مواقعها كاليد والرّجل والصّدر أولى وأحرى.

وأصل القلد الفتل ؛ قلّدت الحبل فهو قليد ومقلود إن فتلته. والقلادة ما فتلت من خيوط وفضّة ونحوهما فتجعل في العنق ، ثم شبّه بها كلّ ما يتطوّق به وكلّ ما يحيط بشيء. ومنه : قلّدته العمل ، وقلّدته السيف ، تارة يقال بمعنى وشّحته إياه ، أي جعلته له بمنزلة القلادة والوشاح ، / وتارة بمعنى ضربت به عنقه. وقلدته هجاء : ألزمته إياه.

قوله : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ)(٦) قيل : معناه خزائنها ، وقيل : مفاتيحها ، والمعنى أنّ له التصرف فيها ، وأنه قادر عليها حافظ لها بمنزلة من بيده مفاتيح الخزائن. قالوا : الواحد

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٩٧.

(٢) ما بين قوسين ساقط من ح وس ، ومذكور ف د. والحديث مذكور في النهاية : ٤ / ٩٧ ، والحديث لعمر خاطب به جريرا حين أراد مدحه فغضب منه. والمعروف أن عمر وجريرا لم يجتمعا.

(٣) النهاية : ٤ / ٩٧.

(٤) ٢ / المائدة : ٥.

(٥) ٣١ / النور : ٢٤.

(٦) ٦٣ / الزمر : ٣٩ ، وغيرها.

٣٩٠

قليد ، وكان قياسه أقاليد فالأولى أن يراد تفسير المعنى ، والواحد الحقيقيّ مقليد أو مقلاد ، فإن لم يسمع فهو مقدّر كما قيل في أحاديث وأقاطيع وليال كما بينّا في غير هذا وحرّرنا الخلاف فيه.

وفي الحديث : «قلّدوا الخيل ولا تقلّدوها الأوتار» (١) في تأويله وجهان : أحدهما لا تقلّدوها أوتار القسيّ فتختنق. وقيل : المراد بالأوتار الذّحول والإحن التي كانوا يتعارفونها أي لا تقاتلوا عليها لذلك ، وهذا هو المنصوص.

والقلد : هو يوم نوبة الشرب وما بين القلدين ظمء ، ومنه قول ابن عمرو لقيّمه : «إذا أقمت قلدك فاسق الأقرب فالأقرب» (٢) ومنه قول عمر : «فقلّدتنا السماء» أي مطرتنا لوقت ، مأخوذ من قلد الحمّى وهو يوم ورودها ، ومنه : هم يتقالدون بئرهم (٣) أي يتناوبونها.

ق ل ع :

قوله تعالى : (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي)(٤) أي أمسكي ماءك ، من قولهم : أقلعت عنه الحمّى إذا زالت. والإقلاع : الإزالة. وأقلع عن الذنب إذا تاب منه. والقلع : الرّجل الذي لا يثبت على السّرج كأنه يقلع ويطرح ، وفي حديث جرير أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني رجل قلع فادع لي» (٥) ورواه بعضهم بفتح الفاء وكسر العين.

والقلع ـ أيضا ـ شراع السفينة ، ومنه قول مجاهد في قوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ)(٦) قال : ما رفع قلعه (٧). وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «إذا مشى تقلّع» (٨). وفي حديث ابن أبي هالة : «إذا زال زال تقلّعا» (٩) أي رفع رجليه بقوة ثابتا ، لا

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٩٩.

(٢) المصدر السابق.

(٣) قول أبي عمرو كما في اللسان ـ مادة قلد.

(٤) ٤٤ / هود : ١١.

(٥) النهاية : ٤ / ١٠١.

(٦) ٢٤ / الرحمن : ٥٥.

(٧) النهاية : ٤ / ١٠٢.

(٨) النهاية : ٤ / ١٠١.

(٩) النهاية : ٤ / ١٠١.

٣٩١

كمن يتبختر اختيالا. وروي هذا قلعا ـ بفتح الفاء والعين ، وبفتح الفاء وكسر العين ـ كذا بخطّ الأزهريّ ، قال : وهذا كما جاء في آخر «كأنما ينحطّ من صبب» (١). وفي الحديث : «لا يدخل الجنة قلّاع ولا ديبوب» (٢) ؛ القلّاع : الساعي إلى السلطان بالناس والنّبّاش والشّرطيّ والقوّاد ، وذلك لأنه يقلع الأشياء من مقارّها أي يزيلها.

والقلعة من الجبل قتبة ، وبه سميت الحصون قلعا. وقال الخبيث الحجاج لأنس رضي الله عنه : «لأقلعنّك قلع الصّمغة» (٣) أي لأستأصلنّك. والصّمغ إذا قلع لم يبق له عين ولا أثر. وفي المثل : «تركتهم على مثل مقلع الصّمغة» (٤) إذا لم يبق لهم شيء إلا ذهب.

ق ل ل :

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً)(٥) أي حملت. يقال : أقلّ الرجل الشيء يقلّه إقلالا : إذا حمله ، ومنه القلّة لأنّ الرجل يقلّها بيديه أي يحملها ، والمعنى أنّ الرياح رفعت السحاب بتسخير الله تعالى. وفي الحديث : «كقلال هجر» (٦) القلال جمع قلّة وهي جرّة تعمل بهذا المكان ، وهو قريب من المدينة.

قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)(٧) قال الأزهريّ : هذا كما يقال : هؤلاء واحدون وهم حيّ واحد ، قال : ومعنى واحدين واحد ، وأنشد للكميت (٨) : [من الوافر]

فردّ قواصي الأحياء منهم

فقد أضحوا بحيّ واحدينا

__________________

(١) النهاية : ٤ / ١٠١.

(٢) النهاية : ٤ / ١٠٢ ، وبياض في الأصل مكان «ديبوب» ، أضفناها منه. والديبوب : هو الذي يدب بين الرجال والنساء للجمع بينهم (اللسان ـ مادة دبب).

(٣) المصدر السابق.

(٤) المستقصى : ٢ / ٢٥.

(٥) ٥٧ / الأعراف : ٧.

(٦) النهاية : ٤ / ١٠٤. وهجر : قرية قريبة من المدينة وليست هجر البحرين ، وكانت تعمل بها القلال. سميت قلّة لأنها تقلّ أي ترفع وتحمل.

(٧) ٥٤ / الشعراء : ٢٦.

(٨) معاني القرآن : ٢ / ٢٠٨ وفيه : فقد رجعوا ، وكذا في اللسان ـ مادة وحد. ورواية أوله : فضمّ.

٣٩٢

قلت : كأنه يعتذر عن جمع قليل لأنه يكتفي به عن الجمع. والتحقيق في جوابه أنه لمّا أراد اختلاف أنواعه ساغ جمعه.

والقلّة تقابل الكثرة ويستعملان في الأعداد ، كما أنّ الصّغر والعظم للآخر (١) ، ومن القلّة والصّغر للآخر.

وقوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢) أي وقتا قليلا. قوله : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً)(٣) وقوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٤) أي وقتا قليلا منهم والقلّة يكنّى بها تارة عن الذّلّة اعتبارا بقول الحطيئة (٥) : [من السريع]

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر

قال الراغب : وعلى ذلك قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ)(٦) وتارة يكنّى بها عن العزّة ومنه قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٧) وذلك أنّ ما يقلّ يعزّ وجوده.

قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٨) قليلا يجوز أن يكون نعت مصدر محذوف أي إلا علما قليلا ، وأن يكون استثناء من مرفوع «أوتيتم» أي إلا قليلا منكم.

قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)(٩) يعني بالقليل هنا العرض الدّنيويّ ، وجعله قليلا بالنسبة لما أعدّه الله تعالى للمؤمنين في الآخرة. وعليه قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(١٠).

__________________

(١) يريد الأجسام أو الأجرام.

(٢) ٢ / المزمل : ٧٣.

(٣) ٢٠ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) ١٣ / المائدة : ٥.

(٥) المشهور : بالأكثرين.

(٦) ٨٦ / الأعراف : ٧.

(٧) ١٣ / سبأ : ٣٤.

(٨) ٨٥ / الإسراء : ١٧.

(٩) ٤٤ / المائدة : ٥.

(١٠) ٧٧ / النساء : ٤.

٣٩٣

والقليل يرد بمعنى النّفي ، ولذلك صحّ الاستثناء المفرّغ (١) بعده في قولهم : قلّما يفعل ذلك إلا زيد ، وقلّما يفعل ذلك إلا قائما أو قاعدا ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ)(٢). وقيل : القلّة هنا هي المشار إليها بقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٣).

وأقللت كذا : وجدته قليلا أو خفيفا ، إمّا في الحكم كقولهم : أقللت ما أعطيتني. وإمّا بالإضافة إلى قوته ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً)(٤) أي احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها.

واستقللته : رأيته قليلا نحو استخففته. وقلّة الجبل : سقفه اعتبارا بقلّته إلى ما عداه من أجزائه. وأمّا تقلقل الشيء : إذا اضطرب ، وتقلقل المسمار فمشتقّ من القلقلة ، وهي حكاية صوت الحركة.

ق ل م :

قوله تعالى : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)(٥) قيل : أشار به إلى ما أنعم على الإنسان من نعمة الكتابة ، وذلك لما احتوت عليه من الفوائد الغزيرة التي لا تدخل تحت الوصف من كونها تجعل الغابر من (٦) سنين مؤلّفة كالشاهد والبعيد المسافة كالشرق والغرب كالمتجاور على اختلاف أوضاع الأمم لها واصطلاحاتها. وقيل : أشار إلى علم القدرة. وفي الحديث : «أنه كان يأخذ / الوحي عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرافيل وإسرافيل عن اللوح واللوح عن القلم» (٧). وهذا إن ثبت فالمراد به سرّ إلهيّ.

__________________

(١) لاستثناء المفرغ : وفيه يعرب الاسم الواقع بعد إلا حسب موقعه في الجملة.

(٢) ٤١ / الحاقة : ٦٩.

(٣) ١٠٦ / يوسف : ١٢.

(٤) ٥٧ / الأعراف : ٧.

(٥) ٤ / العلق : ٩٦.

(٦) ساقطة من ح وس.

(٧) المفردات : ٤١٢.

٣٩٤

والقلم : ما يكتب به ، وسمي بذلك لأنه قلم أي قصّ وقطع ؛ فعل بمعنى مفعول كالنّقص بمعنى منقوص. وأصل القلم القصّ من الشيء الصّلب كقلم الأظفار.

قوله : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ)(١) قيل : هي أقلام الكتابة كانوا يكتبون بها التّوراة فاقترعوا بها. وقيل : هي قداح كانوا يستهمون بها. وسمي القدح قلما لأنه يبرى كما يبرى القلم ويقطع كما يقطع ، وذلك أنّهم لمّا اختلفوا في كفالة مريم قال بعضهم : ألقوا أقلامنا في هذا النهر فمن رسب قلمه فهو أحقّ بها ومن طفا قلمه فليس له حقّ. فرسب قلم زكريا عليه‌السلام ، وذلك لأنّه أمر خارق للعادة. ومن طبع القلم أن يطفو.

والقلّام : شجر معروف (٢) لأنه يقلم ، وأنشد (٣) : [من الكامل]

متجاوزا قلّامها

والأقاليم : جمع إقليم وهو مجمع بلدان شتّى ، سميت بذلك لأنّ الأقاليم سبعة ، والدّنيا على ما قسّمها أهل الدّنيا سبعة.

ق ل ي :

قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٤) أي ما أبغضك. والقلى : شدة البغضة ، يقال : قلاه يقليه ، وقليه يقلاه (٥) ، والأولى هي المشهورة ، وأنشدوا (٦) : [من الطويل]

وتقلينني لكنّ إياك لا أقلي

__________________

(١) ٤٤ / آل عمران : ٣.

(٢) يقول ابن منظور : ضرب من الحمض ، وفي التهذيب : هو القاقلّى.

(٣) من بيت للشاعر لبيد ، وتمامه (الديوان : ٣٠٧).

فتوسّطا عرض السّريّ وصدّعا

مسجورة متجاوزا قلامها

(٤) ٣ / الضحى : ٩٣.

(٥) هذا رأي ابن جني كما في اللسان.

(٦) عجز لبيت مشهور في كتب النحو كشواهد المغني. وهو مذكور كذلك في شرح المفصل لابن يعيش : ٨ / ١٤٠ من غير عزو. بينما يذكر الفراء : وأنشدني أبو ثروان ، وذكر البيت (٢ / ١٤٤ من معاني القرآن) وصدره :

وترمينني بالطرف أي أنت مذنب

٣٩٥

وفيها لغة ثالثة : قلاه يقلوه. قال الراغب (١) : فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم : قلت الناقة براكبها قلوا.

وقلوت بالقلّة وكأنّ المقلوّ هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ، ومن جعله من الياء فهو من قليت البسر والسّويق على المقلاة. ويقال : قلاه يقليه قلى ، وربّما فتح ومدّ فقيل : قلاء.

قوله تعالى : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(٢) أي الكارهين الشّديدي البغض. ومن كلام أبي الدّرداء : «وجدت الناس اخبر تقله» (٣) أي إذا جزتهم قليتهم لما تطلع عند التجربة منهم على خبث سرائرهم (وهذا في زمن أبي الدرداء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون) (٤). وهذا على إضمار القول ، أي وجدتهم مقولا فيهم ، كذا كقوله (٥) : [من الرجز]

بئس مقام الشيخ أمرس أمرس

إمّا على قعو وإمّا اقعنسس

أي مقولا فيه : أمرس أمرس ، وقيل : هو معناه الخبر كقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٦). وفي حديث ابن عمر : «كان لا يرى إلّا مقلوليا» (٧) فسّره بعض أهل الحديث بأنه كأنّه على مقلى ؛ قال الهرويّ : وليس بشيء ، ونقل عن أبي عبيد أنه المتجافي المستوفز ، قلت : ومن ذلك قول الشاعر (٨) : [من الرجز]

لما رأتني خلقا مقلوليا

__________________

(١) المفردات : ٤١٢.

(٢) ١٦٨ / الشعراء : ٢٦.

(٣) النهاية : ٤ / ١٠٥.

(٤) ما بين قوسين إضافة من النسخة د.

(٥) الرجز مذكور في اللسان ـ مادة قعس ، وفي الجمهرة : ٣ / ٣١.

(٦) ٧٥ / مريم : ١٩.

(٧) تمام الحديث : «لو رأيت ابن عمر ساجدا لرأيته مقلوليا» (النهاية : ٤ / ١٠٥) ، ورواية النص مذكورة فيه أيضا.

(٨) وصدره كما في اللسان ـ مادة قلا :

قد عجبت مني ومن بعيليا

٣٩٦

فصل القاف والميم

ق م ح :

قوله تعالى : (فَهُمْ مُقْمَحُونَ)(١) أي رافعو رؤوسهم ، وذلك لأنّ الغلّ غليظ ، وفيه العمود الذي يصير تحت الذقن فترتفع رؤوسهم لذلك. وهذا من أبلغ الكنايات نحو : طويل النجاد ، وكثير الرماد. وأصل الإقماح رفع الرأس وغضّ البصر ، ومنه : بعير قامح وإبل قماح.

واقتمحتها : فعلت بها ذلك لأنها إذا وردت (٢) رفعت رؤوسها لشدّة البرد. وقال الراغب (٣) : القمح رفع الرأس كيفما كان. وقيل : هو رفع الرأس لسفّ (٤) شيء. واقتمحت البعير : شددت رأسه إلى خلف. قال : وقوله : (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) تشبيه بذلك ، ومثل لهم وقصد إلى وصفهم بالتأبيّ عن الحقّ وعن الإذعان لقبول الرّشد والتأبيّ عن الإنفاق في سبيل الله. وقيل : إشارة إلى حالهم في القيامة (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ)(٥). وفي حديث أم زرع : «وأشرب فأتقمّح» (٦) أي أشرب فأروى فأرفع رأسي. (وروي) (٧) «فأتقنّح» بالنون. قال أبو زيد : هو أن يشرب فوق الريّ ؛ يقال : قنحت من الشراب أقنح قنحا : تكارهت على شربه بعد الريّ.

والقمح : قال الخليل : القمح : البرّ إذا جرى في السّنبل من لدن الإنضاج إلى زمن الاكتناز ، والسّويق المتّخذ منه قميحة.

__________________

(١) ٨ / يس : ٣٦.

(٢) وفي د : شربت.

(٣) المفردات : ٤١٢.

(٤) كذا في المفردات ، وفي النسخ : لشدة ، وهو وهم.

(٥) ٧١ / غافر : ٤٠.

(٦) النهاية : ٤ / ١٠٦.

(٧) من النسخة د.

٣٩٧

ق م ر :

قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ)(١) قيل : القمر يقال له ذلك بعد الثلاث وذلك لامتلائه وقيل : سمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به ، والقمر أضوؤه.

وتقمّرت فلانا : أتيته في القمراء. وقمرت القربة : فسدت بالقمراء. وحمار أقمر : على لون القمراء. وأتان قمراء. فهما كأحمر وحمراء. وفي حديث الدجّال : «هجان أقمر» (٢) قال القتيبيّ : هو الأبيض الشديد البياض. قلت : وأصله ما ذكرته. وقمرت فلانا كذا : خدعته عنه.

ق م ص :

قوله تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ)(٣) القميص معروف ، وجمعه قمص وقمصان وأقمصة. وتقمّص : لبس القميص. وتقمّص البعير يتقمّص إذا نزا. والقماص : داء يأخذه فلا يستقرّ به موضعه ، ومنه قول الشاعر : [من مجزوء الكامل]

أفلا قماص بالعير

ويستعار للتحلّي ببعض الصفات ، ومنه حديث عثمان : «إنّ الله سيقمّصك قميصا وإنك تلاص على خلعه» (٤) ومعنى تلاص أي تراد عليه.

والقميص ـ أيضا ـ غلاف القلب ، والبرذون ـ أيضا ـ الكثير القماص.

__________________

(١) ٣٢ / المدثر : ٧٤.

(٢) النهاية : ٤ / ١٠٧.

(٣) ٢٦ / يوسف : ١٢.

(٤) النهاية : ٤ / ١٠٨. وأراد بالقميص الخلافة.

٣٩٨

ق م ط :

قوله تعالى : (يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً)(١) قال ابن عرفة : منقبضا لا شحّة فيه ولا انبساطا. اقمطرّ إذا تقبّض. وقال الأزهريّ : القمطرير : المقبّض ما بين العينين ومعناه : شديدا غليظا. والجمع قماطر.

ق م ع :

قوله تعالى : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)(٢) هو جمع مقمع ، وهو ما يضرب به ، ومن ذلك قمعته فانقمع نحو : كففته فانكفّ.

والقمع والقمع : ما يصبّ به الشيء فيمنع من أن يسيل. وفي الحديث : «ويل لأقماع القول» (٣) قال الراغب : أي الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتّبعون أحاديث الناس. ورواية الهرويّ : «ويل لأقماع الآذان» (٤) قال : يعني الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بما فيه. وفي حديث عائشة رضي الله عنها : «فإذا رأين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انقمعن» (٥) يعني جواري كنّ يلاعبنها. ومعنى انقمعن : تغيّبن عنه توقيرا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والقمع : الذباب الأزرق لكونه مقموعا. وتقّمع الحمار : إذا ذبّ القمعة عن نفسه.

ق م ل :

قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ)(٦) قيل : هي صغار الذباب ، وقيل : كبار القردان ، وقيل : هي القمّل المعروف ، وقيل : دوابّ أصغر منه ، ورجل (٧) قمل ، أي فيه قمل ، وامرأة قملة : صغيرة قبيحة كأنها قملة.

__________________

(١) ١٠ / الإنسان : ٧٦.

(٢) ٢١ / الحج : ٢٢.

(٣) النهاية : ٤ / ١٠٩ ، وكلام الراغب في المفردات : ٤١٣.

(٤) وذكرها ابن الأثير.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ١٣٣ / الأعراف : ٧.

(٧) وفي الأصل : على ، أو ما يشبهها ، وصوّبنا من المفردات : ٤١٣.

٣٩٩

فصل القاف والنون

ق ن ت :

قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ)(١). القنوت : قيل السكوت. وفي الحديث : كان الرجل منا يكلّم صاحبه في الصلاة حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت (٢). وقيل : هو الطاعة ، ومنه قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ)(٣) أي مطيعون. قال الهرويّ : معنى الطاعة أن كلّ من في السماوات والأرض مخلوقون كما أراد الله عزوجل ؛ لا يقدر واحد على تغيير الصورة. وآثار الصنعة دالّة على أنّ الطاعة هي طاعة الإرادة والمشيئة ، وليست طاعة العبادة. قلت : مراده بذلك الجواب عن اعتراض مقدّر وهو أنّا نجد كثيرا من الخلق عاصين غير مطيعين. والخبر من الله صدق قطعا ، وقيل : القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع. قال الراغب (٤) : وبكلّ واحد منهما فسّر قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) قيل : خاضعون ، وقيل : طائعون ، وقيل : ساكتون. ولم يعن به كلّ السكوت ، وإنّما عني به ما قال عليه‌السلام : «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو قرآن وتسبيح» (٥) وعلى هذا قيل : أيّ الصلاة أفضل؟ فقال : طول القنوت أي الاشتغال بالعبادة ورفض كلّ ما سواه. قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً)(٦) قلت : ومنه القنوت المشروع في الصّبح ، والتراويح إنما هو الدّعاء المعروف وما يقوم مقامه.

قوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ)(٧) أي أطيعيه أو اعبديه أو اخضعي له ، وكلّها معان

__________________

(١) ٢٣٨ / البقرة : ٢.

(٢) النهاية : ٤ / ١١١ ، والحديث لزيد بن أرقم.

(٣) ١١٦ / البقرة : ٢.

(٤) المفردات : ٤١٣.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ١٢٠ / النحل : ١٦.

(٧) ٤٣ / آل عمران : ٣.

٤٠٠